ما هو التضخم الاقتصادي؟ أسبابه و تأثيره على حياة المواطن

 

ما هو التضخم الاقتصادي؟ أسبابه و تأثيره على حياة المواطن

يعد التضخم من أبرز التحديات الاقتصادية التي تواجه الأفراد و المجتمعات، فهو يحدث عندما ترتفع الأسعار العامة للسلع و الخدمات باستمرار حيث تنخفض القوة الشرائية للنقود، تنشأ هذه الظاهرة نتيجة عوامل متعددة مثل زيادة الطلب، ارتفاع تكاليف الإنتاج أو الأزمات العالمية، و لا يقتصر أثر التضخم على الاقتصاد الكلي، بل ينعكس مباشرة على حياة الأفراد من خلال تراجع مستوى المعيشة، ضعف الادخار، لذلك تسعى الحكومات إلى مواجهته عبر أدوات السياسة النقدية و المالية، بينما يلجأ الأفراد إلى استراتيجيات شخصية لحماية دخولهم و استقرارهم المعيشي.

اولا: ما هو التضخم؟

التضخم هو الزيادة المستمرة في المستوى العام للأسعار خلال فترة زمنية معينة، هذه الظاهرة تعني أن نفس المبلغ من المال يشتري كمية أقل من السلع أو الخدمات، و هو مؤشر على اختلال التوازن بين العرض و الطلب، اذن فالتضخم عمليا هو الارتفاع السنوي في أسعار السلع و الخدمات اليومية مثل: الغداء و الملابس و المواصلات و السكن و التعليم ..

بناء على ما سبق فان التضخم يتحقق فعلیا بناء على عاملين اساسين:

  • ان يكون ارتفاع الاسعار مستمرا.
  • أن یشمل ھذا الارتفاع شریحة واسعة من السلع و الخدمات التي تھم عموم الافراد.

اذن فاذا كان الارتفاع في الأسعار مؤقتا او يهم فئة محدودة من المجتمع فلا يمكن اعتباره تضخما.

مثال اذا كان سعر كيلو الأرز 1 دولار في العام الماضي و اصبح 1.2 دولار في هذا العام فهذا يعكس وجود تضخم 20% على هذا المنتج.

ثانيا: أسباب التضخم:

هناك عدة أسباب تؤدي الى التضخم يمكن تلخيصها فيما يلي:

1- زيادة الطلب:

عندما يزداد طلب الناس على السلع و الخدمات بشكل يفوق قدرة الإنتاج تبدأ الأسعار بالارتفاع تدريجيا، و ارتفاع الطلب هذا يأتي نتيجة الزيادة في المعروض من النقود و الائتمان التي تؤدي إلى تحفيز المعنويات الإيجابية للمستهلكين و تدفعهم نحو زيادة الإنفاق.

2- ارتفاع التكاليف:

زيادة تكاليف الإنتاج التي تحدث اما بسبب ارتفاع أجور العمال، ارتفاع أسعار المواد الخام، زيادة أسعار الطاقة، او بسبب الكوارث الطبيعية، الأحداث الجيوسياسية أو لأي سبب آخر يؤدي إلى اضطراب في سلاسل الامداد.

الشركات في هذه الحالة تنقل عبء تكاليف الإنتاج الإضافية إلى المستهلكين من خلال رفع أسعار السلع النهائية و الخدمات.

3- التضخم النقدي:

طباعة الدولة المزيد من النقود لتمويل عجز الموازنة دون أن يقابل ذلك زيادة في الإنتاج، نتيجة لذلك يصبح هناك معروض نقدي أكبر في أيدي الناس، لكن كمية السلع و الخدمات المتاحة في السوق تبقى كما هي.

مع زيادة كمية النقود في يد الافراد يرتفع طلبهم على السلع و الخدمات بينما العرض ثابت، هذا الخلل بين العرض و الطلب يدفع الأسعار إلى الارتفاع بشكل مستمر.

4- التضخم المستورد:

هو ارتفاع عام و مستمر في الأسعار داخل دولة معينة، بسبب ارتفاع أسعار السلع و الخدمات التي تستوردها هذه الدولة من الخارج، وهذا يحدث كثيرا مع السلع الأساسية مثل النفط.

لا ينشأ التضخم المستورد من داخل الدولة بل ينتقل إليها من الخارج نتيجة لارتفاع الأسعار العالمية، الدول التي تعتمد بشكل كبير على الاستيراد في منتجاتها تتأثر بهذه الظاهرة أكثر.

ثالثا: تأثير التضخم على حياة الأفراد و الاقتصاد:

1- تأثير التضخم على حياة الأفراد:

عندما ترتفع الأسعار و لا تزيد الأجور ينخفض الدخل الحقيقي للفرد، مما يعني قدرته على شراء سلع و خدمات أقل بنفس قيمة الأموال، هذا يؤدي إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية للأفراد خاصة ذوي الدخل المحدود، و يخلق فجوة أكبر بين ما يكسبونه و ما يحتاجون لإنفاقه، و يمكن تلخيص التأثيرات في النقاط التالية:

  • زيادة تكلفة المعيشة: السلع الأساسية مثل الطعام و المواصلات و الدواء تصبح أغلى.
  • ضعف الادخار: الأموال التي كان يمكن ادخارها أو استثمارها اصبحت تستهلك في المصاريف الاساسية، مما يقلل من قدرة الأسر على التخطيط للمستقبل.
  • تراجع المستوى المعيشي: يجد الفرد نفسه مضطرا لتقليل الكميات أو الاستغناء عن بعض الاحتياجات، هذا يعني ان التضخم يحول حياة الأفراد من البحث عن تحسين معيشتهم إلى محاولة الحفاظ على الحد الأدنى منها.
  • ضغط على الأسر: الميزانية الشهرية تصبح غير كافية لتغطية الاحتياجات، خاصة الفئات ذات الدخل المحدود تعاني أكثر لأنها تخصص معظم دخلها للإنفاق على الضروريات.
  • قلق نفسي: يشعر الأفراد بعدم الاستقرار المالي و الخوف من المستقبل، وهذا ينعكس على الصحة النفسية و العلاقات الأسرية.

2- تاثير التضخم على الاقتصاد: 

تأثير التضخم على الاقتصاد واسع و معقد، لأنه لا يمس الأفراد فقط بل يمتد إلى جميع جوانب النشاط الاقتصادي، فالتضخم إذا خرج عن السيطرة قد يضعف الاقتصاد الوطني، يبطئ النمو، و يزيد الأعباء الاجتماعية و يمكن تلخيص تأثيراته فيما يلي:

  • ضعف الاستقرار الاقتصادي: التضخم المرتفع يخلق حالة من عدم اليقين، حيث يصعب على الشركات التنبؤ بالتكاليف المستقبلية فيتردد المستثمرون و الشركات في اتخاذ قرارات طويلة الأمد خوفا من تقلب الأسعار.
  • انخفاض قيمة العملة: عندما ترتفع الأسعار بشكل مستمر تفقد العملة جزءا من قيمتها، مما يضعف قوتها أمام العملات الأجنبية و يؤثر على التجارة الخارجية، و يمكن أن يجعل انخفاض قيمة العملة الصادرات أرخص و لكنه يجعل الواردات أكثر تكلفة، مما يؤثر على الميزان التجاري.
  • تأثير سلبي على الادخار: الأموال المودعة في البنوك تفقد قيمتها الحقيقية مع مرور الوقت، مما يقلل رغبة المستثمرون في الادخار و يدفعهم للبحث عن ملاذات آمنة مثل الذهب أو العقارات لحماية أموالهم.
  • تأثير سلبي على الاستثمار: التضخم الغير المستقر يجعل المستثمرين مترددين، لأنهم لا يعرفون القيمة المستقبلية لأرباحهم أو عوائدهم مما يضعف النمو الاقتصادي.
  • ارتفاع أسعار الفائدة: البنوك المركزية غالبا ترفع أسعار الفائدة لمواجهة التضخم، و هذا يحد من الاقتراض و يبطئ النشاط الاقتصادي و يزيد من معدلات البطالة.
  • زيادة الفقر و التفاوت الاجتماعي: التضخم يوسع الفجوة بين الأغنياء و الفقراء، حيث تستطيع الفئات الميسورة حماية نفسها عبر الاستثمار، بينما تتضرر الطبقات محدودة الدخل بشكل أكبر و تصبح اكثر فقرا.

رابعا: كيفية مواجهة التضخم

1- سياسة مواجهة التضخم للحكومات:

1-1- تشديد السياسة النقدية:

يعتبر رفع معدلات الفائدة أسهل الطرق التي تلجأ إليها البنوك المركزية لمكافحة التضخم، و التي يتم من خلالها تقليص المعروض النقدي، فارتفاع أسعار الفائدة يعني انخفاض معدل التضخم.

و بشكل عام، مع انخفاض أسعار الفائدة، يصبح المزيد من الناس قادرين على اقتراض المزيد من الأموال، و النتيجة هي أن المستهلكين يصبح لديهم أموال أكثر لإنفاقها، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع الطلب و زيادة التضخم.

والعكس صحيح، فمع ارتفاع أسعار الفائدة، يتقلص الاقتراض ثم يقل الاستهلاك من المستهلكين الذين يميلون اكثر إلى الادخار مما يتسبب في ضعف الطلب و من تم تراجع أسعار السلع و الخدمات، و بالتالي تتراجع معدلات التضخم.

2-1- السياسة المالية:

لمواجهة التضخم تلجأ الدول لزيادة الضرائب على الأفراد و الشركات مما يقلل من السيولة المتاحة للإنفاق، فينخفض الطلب على السلع و الخدمات، و بالتالي يتراجع التضخم تدريجيا.

 كما قد تقوم الدول بتقليل الإنفاق الحكومي حيث تخفض حجم إنفاقها على المشاريع و الخدمات للحد من الطلب العام، مما يساعد على تهدئة ارتفاع الأسعار.

السياسة المالية قد تتضمن ايضا إعفاءات ضريبية أو دعما للمنتجين المحليين لزيادة العرض من السلع و الخدمات، و هو ما يساعد على مواجهة التضخم من جهة التكاليف.

3-1- تعزيز الإنتاج المحلي:

تعزيز الإنتاج المحلي من خلال الاستثمار في البنية التحتية و التكنولوجيا، تنفيذ إصلاحات في قطاعات الإنتاج الأساسية لزيادة المعروض و تقليل التكاليف، و ذلك بهدف الحد من الاعتماد على الواردات و بالتالي تحقيق التوازن بين الطلب و العرض.

2- استراتيجية مواجهة التضخم للافراد:

1-2- تحسين الإنفاق:

وضع ميزانية محكمة لتحديد أولويات الإنفاق، التسوق بذكاء، شراء كميات أكبر من المواد الأساسية عند توفر العروض لتوفير المال.

2-2- الاستثمار في أصول مقاومة للتضخم:

شراء أصول تحافظ على قيمتها أو تزيد عنها مع الوقت مثل الذهب، أو الاستثمار في صناديق استثمارية عقارية غير ان هذا يتطلب رأسمالا كبيرا .

3-2- تنويع مصادر الدخل:

استكشاف فرص عمل إضافية أو بدء مشاريع جديدة لتوفير دخل إضافي لمواجهة زيادة تكاليف المعيشة.

4-2- الاستفادة من برامج الدعم:

البحث عن برامج الدعم المجتمعي أو الحكومي التي توفرها الدولة لمواجهة آثار التضخم على القدرة الشرائية.

خامسا: عوامل ظاهرة التضخم الحالية:    

يشهد العالم في السنوات الأخيرة موجة تضخم مرتفعة أثرت على معظم الدول سواء المتقدمة أو النامية، هذه الظاهرة ظهرت بوضوح بعد جائحة كورونا أي ابتداء من سنة 2021، و هناك عدة عوامل ساهمت في  موجة التضخم الحالية من بينها:

1- اضطراب سلاسل الإمداد العالمية:

جائحة كوفيد-19 عطلت سلاسل التوريد العالمية بشكل غير مسبوق، ما أدى إلى نقص في المواد الخام و السلع المصنعة و ارتفاع تكاليف شحنها مع توقف المصانع و إغلاق الموانئ، مما أدى إلى نقص المعروض من السلع و بالتالي ارتفاع أسعارها.

2- السياسات النقدية التوسعية:

طباعة النقود و خفض أسعار الفائدة ضخت سيولة كبيرة في الأسواق، ما زاد من الطلب و ولد ضغوطا تضخمية، حيث نهجت الحكومات حول العالم هذه السياسات المالية و النقدية لدعم الاقتصادات خلال الجائحة.

3- الحروب و الصراعات الدولية:

الحرب الروسية الأوكرانية مثلا رفعت أسعار الحبوب و الطاقة و زادت تكاليف النقل و الإنتاج عالميا، ما ساهم في زيادة التضخم العالمي خاصة في الدول المستوردة، حيث تعتبر روسيا و أوكرانيا مصدرين رئيسيين للقمح و الغاز و النفط، و هذا سبب صدمة زادت من حدة الضغوط التضخمية.

4- زيادة تكاليف النقل و الشحن:

ازمة الحاويات، حيث تعاني السفن انخفاض في عدد الحاويات الفارغة المعدة لنقل البضائع، مما أدى الى  ارتفاع أسعار الشحن البحري نتج عنه زيادة تكلفة استيراد السلع، و هو ما انعكس مباشرة في الأسعار.

5- زيادة الطلب بعد جائحة كورونا:

مع عودة الأنشطة الاقتصادية ارتفع الطلب بسرعة، بينما ظل العرض ضعيفا، مما أدى إلى فجوة كبيرة بين الطلب و العرض جعلت الأسعار ترتفع.

سادسا: كيف يقاس التضخم:

1- مقياس التضخم:

يعتبر مؤشر أسعار المستهلكين (CPI) هو المقياس الرئيسي و الرسمي لقياس التضخم عالميا، و هو مؤشر يتتبع متوسط أسعار سلة من السلع و الخدمات الأساسية التي يشتريها المستهلكون، يتم حساب التضخم كمعدل تغير مؤشر أسعار المستهلك مع مرور الوقت، عادة ما يكون سنويًا أو شهريًا، و يعكس التغير في مستوى الأسعار العام و التكلفة المعيشية للمستهلكين.

2- تفسير معدل التضخم:

  • ارتفاع معدل التضخم يعني أن المستوى العام للأسعار يرتفع بمعدل أسرع مقارنة بالفترة المرجعية.
  • انخفاض معدل التضخم يعني أن الأسعار لا تزال ترتفع، و لكن بوتيرة أقل مما كانت عليه في الفترة السابقة.
  • عندما ينخفض مستوى الأسعار بشكل عام يحدث ما يسمى بالانكماش هو عكس التضخم.

3- المعدل الطبيعي للتضخم:

يختلف هذ المعدل حسب الدول، لكن بشكل عام يعتبر معدل تضخم معتدل بين 2% و 5% صحيا لأنه يشير إلى طلب قوي على السلع و الخدمات و دوران في الاقتصاد، مما يحفز النمو و الاستثمار، البنوك المركزية غالبا ما تستهدف معدلات قريبة من 2% كهدف مثالي للحفاظ على استقرار الأسعار و دعم النمو الاقتصادي.

و سنأخذ فيما يلي مثال عن تطور معدلات التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية  في السنوات الأخيرة، للتمكن من فهم كيف تتعامل الحكومات مع معدلات التضخم:

تطور التضخم من مستويات مستقرة قبل الجائحة (حوالي 2%) إلى ذروة تاريخية في 2022 (9.1%)، ثم عاد للانخفاض تدريجيا مع السياسات النقدية المشددة و ذلك على الشكل التالي:

-         قبل جائحة كورونا 2016 - 2019:

معدل التضخم كان مستقراً نسبيًا بين 1.5% و 2.3%، و هو ضمن المستهدف الذي يضعه الاحتياطي الفيدرالي (2%).

-         عام 2020:

مع بداية جائحة كرونا تراجع التضخم إلى حوالي 1.2% بسبب انخفاض الطلب و تراجع أسعار النفط.

-         عام 2021:

مع عودة النشاط الاقتصادي و ارتفاع الطلب، قفز التضخم إلى حوالي 4.7%، و هو أعلى معدل منذ أكثر من عقد.

-         عام 2022:

بلغ التضخم ذروته و وصل إلى 9.1% في يونيو 2022، و هو أعلى مستوى منذ 40 عامًا، مدفوعا بارتفاع أسعار الطاقة و الغذاء نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية.

-         عام 2023:

بدأ التضخم في التراجع تدريجيا بفضل سياسات رفع أسعار الفائدة من الاحتياطي الفيدرالي، و انخفض المعدل إلى نحو 3.4% بنهاية العام.

-         عام 2024:

المعدل بقي في حدود 2.5% - 3%، لكنه ما زال أعلى قليلا من الهدف الرسمي البالغ 2%.

-         في يوليو 2025 : 

وصل معدل التضخم السنوي في الولايات المتحدة الى 2.7٪ نتيجة سياسات رفع أسعار الفائدة من الاحتياطي الفيدرالي لكنه مزال أيضا بعيدا الهدف الرسمي البالغ 2%.

المصدر: Trading Economics

تطور معدلات التضخم بالولايات المتحدة الامريكية


يتضح مما جاء ذكره في هذا المقال، ان التضخم ليس مجرد أرقام في التقارير الاقتصادية، بل هو واقع يعيشه الأفراد يوميا عند شراء حاجاتهم الأساسية أو التخطيط لمستقبلهم، صحيح أنه يفرض تحديات كبيرة مثل ارتفاع الأسعار و تراجع القوة الشرائية، لكنه ليس أمرا لا يمكن التعامل معه، فبإمكان الحكومات عبر سياسات مالية و نقدية مدروسة أن تقلل من حدته، كما يمكن للأفراد مواجهة آثاره من خلال ترشيد الاستهلاك، و تنويع مصادر الدخل، و اللجوء إلى أساليب ادخار أو استثمار تحافظ على قيمة أموالهم، إن فهم التضخم و وعي المجتمع بتأثيراته يساعد على التكيف مع تبعاته، و يجعل مواجهة تحدياته أكثر سهولة، فكلما ارتفع الوعي الاقتصادي زادت قدرة الأفراد و المجتمعات على تحويل هذه الأزمة إلى فرصة للتعلم، التخطيط و بناء مستقبل أكثر استقرارًا.


تعليقات