موقع سوق.كوم: من متجر إلكتروني ناشئ إلى عملاق التجارة العربية

 

موقع سوق.كوم

تعد قصة نجاح موقع "سوق.كوم" (Souq.com) واحدة من أبرز قصص الريادة في عالم التجارة الإلكترونية بالوطن العربي، فقد بدأ الموقع بفكرة بسيطة لكنه تحول إلى منصة ضخمة غيرت مفهوم التسوق الإلكتروني في المنطقة و جذبت أنظار كبرى الشركات العالمية.

أولا: تأسيس و تطور موقع.كوم:

1- بداية المشروع:

بدأت فكرة تأسيس الموقع عندما انضم "رونالدو مشحور" إلى فريق بوابة "مكتوب" أول منصة مشهورة تقدم خدمة البريد الالكتروني باللغة العربية في الشرق الأوسط، و في تلك المرحلة، كانت مواقع شهيرة في الولايات المتحدة مثل "ياهو" تحقق نجاحا كبيرا في مجال التجارة الإلكترونية، لذلك آمن "مشحور" بإمكانية تكرار التجربة في المنطقة و الاستفادة من انتشار "مكتوب".

في عام 2005، تم تأسيس "سوق.كوم" كقسم للمزادات على الصفحة الرسمية لموقع "مكتوب" مشابه لموقع "إي باي"، يتيح للمستخدمين بيع و شراء السلع عبر الإنترنت، و مع مرور الوقت، تحول إلى متجر إلكتروني متكامل يلبي احتياجات المتسوقين العرب، و كان يعد آنذاك أول سوق إلكتروني عربي يتيح بيع و شراء السلع بين الأفراد عبر الإنترنت.

2- تطور المشروع:

في عام 2009، أصبح "سوق.كوم" موقعا مستقلا عن مكتوب، بعدما استحوذت "ياهو" على "مكتوب" حيث لم يكن "سوق.كوم" جزءا من الصفقة، و بقي تحت رعاية "مجموعة جبار للإنترنت" التي كانت الذراع الاستثماري لمشاريع مكتوب السابقة، و قدمت الدعم المالي و الإداري للموقع ليستمر في التوسع.

في عام 2012، تم إنشاء تطبيق الهاتف المحمول الخاص بالموقع، حيث اصبحت تتم أكثر من 70% من عمليات الشراء عبر هذا التطبيق، ما أدى إلى زيادة المبيعات بنسبة كبيرة، في الوقت الذي كان ينظر فيه إلى هذا الانتقال على أنه نهج جديد حيث كان استخدام الهواتف الذكية آنذاك لازال في بداية الانتشار.

في فبراير 2015، جمع "سوق.كوم" 273 مليون دولار من مستثمرين دوليين من بينهم  (Tiger Global Management)  و (Naspers) لتمويل خططه التوسعية.

في فبراير 2016، حصل "سوق.كوم" على استثمارات بقيمة 300 مليون دولار أميركي مما رفع تقييم الشركة إلى مليار دولار لتصبح بذلك شركة مليارية يطلق عليها مصطلح «يونيكورن» دلالة على ندرة نجاحها بالوصول إلى هذا التقييم.

و قد تطور الموقع حتى اصبح أكبر موقع للتجارة الإلكترونية في العالم العربي يضم أكثر من 400 ألف منتج من مختلف الفئات التي تشمل الإلكترونيات، الأزياء، المنتجات المنزلية، الساعات، العطور، و غيرها، و اصبح الموقع يجذب أكثر من 23 مليون زائر شهريا، و ينمو بسرعة كبيرة بسبب ازدياد عدد المتسوقين عبر شبكة الإنترنت في العالم العربي، و اصبح الموقع يغطي الإمارات، السعودية، قطر، الكويت، البحرين، عمان، و مصر بينما يقع المقر الرئيسي في دبي.

3- استحواذ امازون على الموقع:

في عام 2017، استحوذت شركة "أمازون" العالمية بالكامل على الموقع في صفقة قدرت قيمتها بحوالي 580 مليون دولار، و تم دمج العلامة التجارية تدريجيا ضمن "أمازون الشرق الأوسط"، و أعيد إطلاقها لاحقا تحت اسم «Amazon.ae»   في الإمارات  و «Amazon.sa»  في السعودية.

ليصبح الموقع اليوم جزءا من شبكة أمازون العالمية، مع الحفاظ على طابعه المحلي المميز، هذا الحدث مثل اعترافا عالميا بنجاح التجربة العربية في مجال التجارة الإلكترونية، و أثبت أن السوق العربي قادر على إنتاج نماذج تنافسية عالميا.

ثانيا: عوامل نجاح سوق.كوم:

1- العوامل الإدارية و الاستراتيجية:

رؤية واضحة و طموحة: تأسس الموقع برؤية تهدف إلى أن يكون "أمازون الشرق الأوسط"، مع التركيز على تلبية احتياجات السوق المحلي.

الادارة الفعالة: كانت الإدارة سبب نجاح الموقع في مجال الإنترنت، لامتيازها بخبرة إدارة مشاريع التجارة الإلكترونية سابقا تحت قيادة "رونالدو مشحور".

التوسع المدروس: التوسع التدريجي من الإمارات إلى السعودية و مصر بدل الانتشار العشوائي.

الشراكات الاستثمارية: جذب استثمارات من مؤسسات كبرى مثل "Tiger Global" و"Nasdaq Dubai"، مما دعم النمو المالي و التقني.

2- العوامل التقنية و التشغيلية:

منصة إلكترونية متطورة: تصميم موقع سهل الاستخدام و متوافق مع اللغة العربية و الإنجليزية.

أنظمة دفع متنوعة و آمنة: توفير خيارات الدفع عند الاستلام، بطاقات الائتمان، و المحافظ الإلكترونية، بما يتلاءم مع عادات المستخدمين العرب.

خدمات لوجستية فعالة: استغلال البنية التحتية القوية في منطقة الخليج خاصة في دبي لتطوير شبكة توصيل متقدمة بالتعاون مع شركات النقل المحلية لضمان سرعة التسليم.

الاعتماد على البيانات: استخدام تحليل البيانات لتحسين تجربة المستخدم و تخصيص العروض.

3- العوامل التسويقية:

تسويق رقمي قوي: استغلال شبكات التواصل الاجتماعي و الإعلانات الرقمية لبناء الوعي بالعلامة التجارية.

عروض تنافسية و أسعار جذابة: تقديم تخفيضات مستمرة و برامج حيث ابتكر "رونالدو مشحور " فكرة "الجمعة البيضاء".

بناء ثقة العملاء: من خلال سياسات الإرجاع السهلة و خدمة العملاء الفعالة، و هو ما شكل تحديا كبيرا في سوق لم يكن مهيئا بعد للتجارة الإلكترونية، و مع ذلك استطاع الموقع تحقيق نجاح سريع.

4- العوامل السوقية:

فهم احتياجات المستهلك العربي: تقديم واجهة عربية بالكامل و منتجات بخيارات واسعة تلبي الثقافة المحلية بأسعار تنافسية.

تقديم تجربة تسوق سهلة و مريحة: مما منح المستخدم القوة لاتخاذ قرارات الشراء المناسبة.

التركيز على الأجهزة الإلكترونية و الهواتف الذكية: و هي الفئة الأكثر طلبا في المنطقة.

استغلال ضعف المنافسة: في بدايات التجارة الإلكترونية العربية ما سمح له ببناء قاعدة عملاء ضخمة بسرعة.

ثالثا: التحديات التي واجهت سوق.كوم:

رغم ان الموقع استطاع التفوق من خلال التكيف مع الواقع المحلي الا انه مثل كل منصات التجارة الالكترونية واجهته عدة تحديات أهمها:

المنافسة القوية: واجه الموقع منافسة قوية من المتاجر الإلكترونية من مواقع عالمية مثل "أمازون" و"إي باي".

التسويق المحلي: الحاجة لتطوير استراتيجيات تسويق تتناسب مع الثقافات المحلية و الأسواق المختلفة.

استقطاب العملاء: صعوبة استقطاب الشريحة المثالية من العملاء، و الحاجة الدائمة إلى استراتيجيات تسويقية فعالة للحفاظ عليهم.

صعوبة خدمات التوصيل: نتيجة ضعف البنية التحتية اللوجستية في بعض المدن.

أنظمة العنونة: صعوبة تحديد عناوين بعض الزبناء، خاصة في المناطق التي تفتقر إلى أنظمة عنونة واضحة.

تفضيل الدفع النقدي: ما زالت شريحة كبيرة من العملاء تفضل الدفع عند الاستلام بدلا من الدفع الإلكتروني خوفا من الاحتيال أو عدم الأمان.

الثقة في المنتجات: تخوف العملاء من جودة المنتجات و صلاحيتها بعد استلامها مما يؤثر على المبيعات.

التصدي للاحتيال: مواجهة مشكلات الاحتيال الإلكتروني و تأثيره على ثقة العملاء و بياناتهم.

رابعا: أثر سوق.كوم على التجارة الإلكترونية العربية:

نشر ثقافة التسوق الإلكتروني: ساهم الموقع في نشر فكرة الاعتماد على الإنترنت في الشراء بين المستخدمين العرب.

توفير فرص العمل: أوجد المشروع آلاف الوظائف في مجالات التقنية، التسويق، و خدمة العملاء في مختلف الدول العربية.

دعم رواد الأعمال: أتاح الموقع للتجار الصغار عرض منتجاتهم و الوصول إلى جمهور واسع دون الحاجة إلى متاجر فعلية.

تشجيع المشاريع الناشئة في هذا المجال: دفع العديد من رواد الأعمال إلى إطلاق متاجر إلكترونية مشابهة مستفيدين من التجربة الريادية للموقع.

ختاما، تظل قصة "سوق.كوم" مثالا حيا على كيف يمكن لفكرة بسيطة أن تتحول إلى مشروع ضخم يغير ملامح قطاع بأكمله، لقد أثبتت التجربة أن الإبداع، المثابرة، و فهم السوق المحلي هي مفاتيح النجاح في عالم ريادة الأعمال.

تعليقات