أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

القانون التجاري المغربي: دليل مبسط للتجار و رجال الأعمال

القانون التجاري المغربي: دليل مبسط للتجار و رجال الأعمال
القانون التجاري المغربي: دليل مبسط للتجار و رجال الأعمال.

 يعتبر القانون التجاري المغربي فرع من فروع القانون الخاص، و هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم الأعمال التجارية والتجار، وهو ركيزة أساسية لبيئة الأعمال في المملكة، فمع التطور المتسارع الذي يعرفه المجال الاقتصادي، وتزايد حجم المبادلات التجارية، أصبح من الضروري وجود إطار قانوني خاص يستجيب لمتطلبات السرعة، الائتمان، والاستقرار، وهذا ما يميز القانون التجاري عن باقي فروع القانون الخاص.

ولا يقتصر القانون التجاري المغربي على تنظيم التصرفات التجارية في حد ذاتها، بل يتعدى ذلك ليشمل تحديد مفهوم العمل التجاري وأنواعه ومعايير تمييزه عن العمل المدني، كما يهتم هذا الفرع القانوني بتحديد صفة التاجر وشروط اكتسابها، باعتبار التاجر المحور الأساسي للنشاط التجاري، ومن جهة أخرى، يضع هذا القانون مجموعة من الالتزامات المهنية التي يخضع لها التجار، كالقيد في السجل التجاري، ومسك المحاسبة، وتوثيق المعاملات،  وتهدف هذه الالتزامات إلى حماية الثقة والائتمان، وضمان التوازن بين مصالح التجار والدائنين والمستهلكين.

وانطلاقا من ذلك، يسعى هذا المقال إلى تقديم عرض مبسط لاهم محاور القانون التجاري المغربي، من خلال التطرق إلى تعريفه و مصادره،  مع بيان خصائصه، وشرح مفهوم الأعمال التجارية وأنواعها، وبيان من هو التاجر وشروط اكتساب هذه الصفة، ثم الوقوف عند أهم الالتزامات القانونية المفروضة على التجار، ويهدف هذا المقال الى تمكين التجار و رجال الاعمال، من فهم الأسس القانونية التي تحكم النشاط التجاري في المغرب، لضمان سير أنشطتهم بسلامة، حماية حقوقهم، وتجنب النزاعات.

⚖️ أولا- ما هو القانون التجاري المغربي و مصادره؟

1- تعريف القانون التجاري

القانون التجاري المغربي هو مجموعة القواعد القانونية الخاصة التي تنظم التجار و الاعمال التجارية والمعاملات المرتبطة بها داخل المملكة المغربية، و هو بذلك يكون من حيث التطبيق اضيق نطاقا من القانون المدني (قانون عام) الذي ينظم في الأصل نشاط جميع الافراد أيا كانت مهنتهم و أيا كانت طبيعة الاعمال التي يقومون بها.

ويهدف القانون التجاري إلى ضبط العلاقات بين التجار و تحديد الحقوق والواجبات الخاصة بهم، تنظيم الأعمال التجارية البرية والبحرية والجوية، سواء قام بها التجار فيما بينهم او بينهم وبين غير التجار (يطبق القانون المدني في حالات معينة)، و كذلك تنظيم وسائل الأداء والائتمان، تحديد القواعد الخاصة بالعقود التجارية،  تنظيم حالات صعوبات المقاولة والإفلاس، إضافة إلى تنظيم الشركات التجارية.

و يتحدد نطاق تطبيق القانون التجاري بالعمل التجاري، و ذلك وفقا لمدونة التجارة (المادة 6-7-8) التي عرفت التاجر بانه الشخص الذي اعتاد القيام بالأعمال التجارية، مما يعني ان الصفة التجارية تتثبت أولا للعمل ثم تنتقل من العمل الى شخص القائم به إذا احترف هذا العمل.

2- مصادر القانون التجاري الأساسية

 تتعدد مصادر القانون التجاري، وتتنوع بين مصادر مكتوبة وأخرى غير مكتوبة، ويمكن الاطلاع على نصوصها الكاملة بشكل رسمي عبر موقع "المجلس الأعلى للسلطة القضائية" او على المواقع الإلكترونية الحكومية والقضائية، و هذه اهم المصادر:

- مدونة التجارة: لسنة 1996 هي المصدر الرئيسي، وتحتوي على معظم الأحكام المتعلقة بالتجارة والتجار والعقود التجارية.

- قانون الشركات: مثل قانون 95-17 المتعلق بشركات المساهمة، و قانون 96-5 المتعلق بالشركات ذات المسؤولية المحدودة، و شركات التضامن، و غيرهم.

- القوانين الخاصة: مثل قانون المنافسة، قانون حماية المستهلك، وقانون الملكية الصناعية (براءات الاختراع والعلامات التجارية).

- العرف والعادات التجارية: يقصد بالعرف مجموعة القواعد التي دأب التجار على اتباعها مدة طويلة في معاملاتهم التجارية، إلى حد اكتسابها قوة الإلزام، بحيث اصبح يفصل بمقتضاها في المنازعات التجارية امام القضاء، ومن أمثلة ذلك، أن عددا كبيرا من العمليات المصرفية تستند في تنظيمها إلى العرف المصرفي الذي استقر عليه العمل داخل المؤسسات البنكية.

- القانون المدني: في حال غياب نص في التشريع التجاري، وعدم وجود عرف أو عادة تجارية تنظم المسألة المعروضة على القضاء، يتم الرجوع إلى قواعد القانون المدني شريطة أن تكون منسجمة مع المبادئ الأساسية للقانون التجاري، وعلى رأسها السرعة والائتمان، أما إذا وجد تعارض بينهما، فيتعين استبعاد تطبيق هذه النصوص المدنية.

خصائص القانون التجاري المغربي.
خصائص القانون التجاري المغربي.

🌐 ثانيا- خصائص القانون التجاري المغربي:

يتميز القانون التجاري بمجموعة من الخصائص التي تجعله مختلفا عن باقي فروع القانون، وذلك انسجاما مع طبيعة المعاملات التجارية ومتطلبات الحياة الاقتصادية، ومن أهم هذه الخصائص ما يلي:

- السرعة في المعاملات: السرعة من اهم مقومات القانون التجاري، فالمعاملات التجارية تتلاحق بكثرة في حياة التاجر و ترد في الغالب على أشياء معرضة لتقلبات الأسعار او قابلة للتلف الامر الذي يقتضي ابرامها بسرعة، مما يقتضي تبسيط الإجراءات وتخفيف الشكليات.

- المرونة وقلة الشكليات: يتميز القانون التجاري بقلة القيود الشكلية مقارنة بالقانون المدني، حيث  يسمح بإبرام التصرفات التجارية دون تعقيدات، ويعتمد على الأعراف والعادات التجارية في تنظيم كثير من المعاملات.

- الائتمان والثقة: يقوم القانون التجاري على الثقة والائتمان بين التجار، لذلك فاغلب المعاملات التجارية تعقد لأجل، فمثلا البنك يقرض بائع الجملة على أساس ان يسدد بعد بيع البضائع و هذا الاخير يبيع لتاجر تجزئة دون أن يتسلم الثمن فورا، ويتفقان على أن يتم الأداء بعد شهر بواسطة شيك أو كمبيالة، هنا تنشأ بين التجار علاقات متشابكة أساسها الائتمان بحيث يصبح كل منهم دائنا و مدينا في الوقت ذاته.

- خصوصية قواعد الإثبات: يعتمد القانون التجاري قواعد خاصة في الإثبات، إذ يجيز إثبات الالتزامات التجارية بجميع وسائل الإثبات مهما كانت قيمتها، خلافا لما هو معمول به في المعاملات المدنية، فتبسيط إجراءات التعاقد والاثبات يسمح للتجار بإبرام صفقاتهم مشافهة او بواسطة الهاتف و غيرها من الوسائل الحديثة.

اقرا ايضاالتجارة الخارجية: تعريف شامل و انواعها و أهميتها     

📜ثالثا- الأعمال التجارية

وفق قانون التجارة المغربي، تعرف الأعمال التجارية بأنها الأنشطة والتصرفات القانونية التي يعتبرها المشرع تجارية بطبيعتها أو بحكم ممارستها، وتخضع لأحكام مدونة التجارة بدل القواعد العامة للقانون المدني، و تقسم إلى اربع فئات رئيسية:

1- الأعمال التجارية بالطبيعة او الاصلية

وهي الأنشطة التي تعد تجارية بذاتها مهما كان الشخص الذي يزاولها، و قد تم تعدادها في المادة 6 من مدونة التجارة فيما يتعلق بالأنشطة البرية و المادة 7 فيما يتعلق بالأنشطة البحرية و الجوية، و قد ورد النص عليها على سبيل المثال فقط لا الحصر ومن أمثلتها: (لا يسع المقال لذكرها كلها، سنتطرق اليها بتفصيل في مقال خاص بالأعمال التجارية):

  • النشاط التجاري: شراء المنقولات المادية أو المعنوية من أجل بيعها أو تأجيرها بقصد تحقيق الربح، مثل تاجر الجملة الذي يشتري بضاعة ويبيعها بربح.
  • الأنشطة الصناعية والحرفية: مثل مصنع الملابس، ورشة النجارة التي تبيع منتجاتها.
  • النقل والخدمات اللوجستية: مثل شركة شحن البضائع، خدمات النقل العمومي.
  • البنوك والتأمين والسمسرة: مثل الابناك، شركات القروض، شركات التأمين على السيارات والممتلكات.
  • العمليات المتعلقة بالسفن و الطائرات و توابعها.
  • العمليات المرتبطة باستغلال السفن و الطائرات و بالتجارة البحرية و الجوية.

2- الأعمال التجارية بالمماثلة

هي أعمال تجارية يتم تحديدها بالقياس على الأعمال التجارية الأصلية، وفق المادة  8 من مدونة التجارة، و عليه فان كل نشاط يماثل الأنشطة المنصوص عليها في المادتين 6 و 7 يعتبر بدوره عملا تجاريا، شريطة ممارسته على سبيل الاعتياد أو الاحتراف، و من ضمنها البورصة، شراء وبيع الأصل التجاري، والتمويل بالإيجار.

3- الأعمال التجارية الشكلية

وهي الأعمال التي تعتبر تجارية لمجرد شكلها القانوني، بغض النظر عن طبيعة النشاط أو صفة القائم به، فهي أعمال تجارية متى اتخذت شكلا معينا و من امثلتها:

- الأوراق التجارية: مثل الشيك، الكمبيالة، والسند لأمر، و ذلك حسب المادة 9 من مدونة التجارة، التي نصت على انه "يعد عملا تجاريا بصرف النظر عن المادتين 6 و7 : الكمبيالة، و السند لأمر الموقع ولو من غير تاجر إذا ترتب في هذه الحالة عن معاملة تجارية"، فكيفما كان صفة الشخص الذي يتعامل بالكمبيالة او السند لأمر، و كيفما كان السبب فان التوقيع عليها يعد عملا تجاريا.

- الشركات التجارية: منها شركات تجارية بحسب شكلها مهما كان غرضها مثل شركة المساهمة (SA) او الشركة ذات المسؤولية المحدودة (SARL) و شركات تجارية من حيث الغرض وهي شركات المحاصة.

3- الأعمال التجارية بالتبعية

وهي في الأصل أعمال مدنية، لكنها تكتسب الصفة التجارية إذا قام بها تاجر لحاجات تجارته، و قد نصت عليها المادة 10 من مدونة التجارة، مثل قيام صاحب متجر بـشراء سيارة لنقل بضائعه (هذا الشراء في الأصل عمل مدني)، لكن بما أنه تم لخدمة تجارته (المتجر)، فإنه يصبح عملا تجاريا تبعيا، و تكمن أهمية تحديدها انه في حال النزاع حول ثمن السيارة، سيتم تطبيق قواعد القانون التجاري (مثل الاختصاص للمحكمة التجارية).

4- الأعمال التجارية المختلطة

هي اعمال تكون تجارية بالنسبة لاحد الطرفين (التاجر) و مدنية بالنسبة للطرف الاخر (غير التاجر)، فهي بذلك تكون عملا تجاريا من جهة التاجر، وعملا مدنيا من جهة الطرف الآخر.

 و مثاله شراء تاجر محصول زراعي من فلاح بنية بيعه، فالعمل هنا تجاري من جهة المشتري (التاجر)، ومدني من جهة البائع (الفلاح) و طبعا هذه الازدواجية في الصفة تترتب عنها نتائج قانونية مهمة، و أيضا أصحاب المتاجر الذين يبيعون للناس، فالبيع هنا يعتبر مختلطا، فهو تجاري بالنسبة للتاجر و عمل مدني بالنسبة للمشتري المستهلك.

يتضح أن قانون التجارة المغربي اعتمد معيارا مزدوجا لتحديد الأعمال التجارية، يجمع بين طبيعة العمل، شكل التصرف، صفة القائم به، وذلك بهدف تحقيق الاستقرار في المعاملات التجارية وضمان السرعة والائتمان في الحياة الاقتصادية.

تكمن أهمية التفرقة بين الأعمال المدنية والأعمال التجارية في تحديد القواعد القانونية الواجبة التطبيق، ولا سيما من حيث الاختصاص القضائي، وسائل الإثبات، آجال التقادم، وغيرها من الآثار القانونية التي تختلف باختلاف الطبيعة المدنية أو التجارية للعمل.

اقرا ايضاخطوات دخول مجال التجارة الدولية خطوة بخطوة للمبتدئين     

💼رابعا- من هو التاجر في نظر القانون؟

التاجر هو كل شخص طبيعي أو اعتباري يزاول الأعمال التجارية على وجه الاعتياد والاحتراف، باسمه ولحسابه الخاص، بقصد تحقيق الربح، مع تحمل المخاطر الناتجة عن نشاطه، ويخضع في ذلك لأحكام القانوني التجاري وما يترتب عنها من حقوق والتزامات قانونية ولا تكتسب هذه الصفة إلا بتوافر مجموعة من الشروط الأساسية وهي كالتالي:

1- شروط اكتساب الشخص الطبيعي صفة تاجر

تطبيقا للمادة 6 و 7 من مدونة التجارة، يكتسب الشخص الفرد الصفة التجارية بممارسة الاعمال التجارية بالطبيعة و ذلك بشكل اعتيادي و احترافي، يضاف الى ذلك شرطان آخران لم تنص عليهما هذه المواد و هي ان يقوم الشخص بالأعمال التجارية لحسابه الخاص، و ان يكون متمتعا بأهلية ممارسة التجارة، وبذلك تكون شروط اكتساب صفة التاجر هي:

- ممارسة الاعمال التجارية على سبيل الاحتراف والاعتياد:

يشترط لاكتساب الشخص صفة التاجر أن يحترف و يعتاد مزاولة الأعمال التجارية، سواء كانت أعمالا تجارية بطبيعتها كما نصت عليها المادتان 6 و7 من مدونة التجارة، أو أعمالا تجارية بالمماثلة وفقا للمادة 8، التي تجيز القياس على الأعمال المحددة في المادتين المذكورتين.

و يعني الاحتراف القيام بعمل معين بصفة معتادة و اتخاذه مصدر للرزق، و بذلك يكون تكرار العمل على نحو منتظم عنصرا جوهريا في الاحتراف، فلا يكفي القيام بأعمال تجارية متفرقة دون انتظام او المعاملة العرضية لاكتساب صفة التاجر، فمثلا، صاحب متجر إلكتروني يعد تاجرا، و مستورد السلع بالجملة تاجرا، بينما الموظف الذي يبيع سلعة واحدة لا يعد تاجرا.

- مباشرة النشاط باسم ولحساب الشخص:

من شروط اكتساب صفة التاجر أن يزاول الشخص الأعمال التجارية باسمه ولحسابه الخاص، ويتحمل تبعة الأرباح والخسائر، أما من يعمل لحساب الغير، كالأجير أو الوكيل الذي لا يتحمل المخاطر فلا يعد تاجرا.

- أهلية ممارسة التجارة:

يشترط في التاجر أن تتوفر فيه الأهلية القانونية لممارسة التجارة، أي بلوغ سن الرشد القانوني (18 سنة) و يستثنى من ذلك القاصر المرشد أو المأذون له بالتجارة وفق الشروط التي يحددها القانون.

و يشترط كذلك عدم وجود مانع قانوني، أي عدم وجود عارض من عوارض الاهلية (المجنون، السفيه، المعتوه)، او سقوط الاهلية التجارية من خلال الخضوع لعقوبات مرتبطة بصعوبات المقاولة أو الإفلاس، او حالات المنع من الاتجار في حالة وجود نص قانوني خاص يمنع بعض الفئات من ممارسة النشاط التجاري.

2- اكتساب الشركة الصفة التجارية

لا يقتصر ممارسة التجارة على التجار الافراد فقط، بل تمارس أيضا من طرف الشركات، بل ان معظم المشاريع التجارية و الصناعية الكبيرة و المتوسطة التي تتجاوز مقدرة الفرد الواحد تتخذ شكل شركة، و المقصود بالشركة فيما يتعلق باكتساب الصفة التجارية هو الشخص المعنوي الذي ينظم بمقتضى قوانين منذ تأسيسه الى انقضائه.

- معيار اكتساب الشركة الصفة التجارية:

طبقا لقانون الشركات تعتبر شركة تجارية بحكم شكلها و كيفما كان غرضها حتى و لو كانت تزاول اعمالا هي مدنية بطبيعتها: شركة التضامن، الشركة ذات المسؤولية المحدودة، شركة المساهمة، شركة التوصية البسيطة، شركة التوصية بالأسهم، و بذلك تبقى شركة المحاصة هي وحدها متوقفة على طبيعة غرضها.

- امتداد الصفة التجارية من الشركة الى الشركاء:

يكتسب الصفة التجارية و يعتبر تاجرا الشركاء في شركة التضامن، الشركاء المتضامنين في كل من شركة التوصية بالأسهم و شركة التوصية البسيطة، بخلاف الشركاء الموصون في هاتين الشركتين الأخيرتين و كذلك الشركاء في شركة المساهمة و الشركة ذات المسؤولية المحدودة فهؤلاء لا يكتسبون صفة تاجر.

يتبين أن اكتساب الشخص الطبيعي صفة التاجر في القانون المغربي لا يتحقق إلا بتوافر مزاولة الأعمال التجارية، الاحتراف، تحمل المخاطر، الأهلية القانونية، وانتفاء الموانع القانونية، ويترتب عن هذه الصفة خضوع التاجر لأحكام القانون التجاري وما تتضمنه من التزامات خاصة.

الالتزامات المفروضة على التجار
الالتزامات المفروضة على التجار.

📝 خامسا- الالتزامات المفروضة على التجار

يترتب على اكتساب الشخص صفة تاجر الخضوع لمجموعة من الالتزامات المهنية التي نصت عليها مدونة التجارة والقوانين المكملة لها، وذلك بهدف تنظيم النشاط التجاري وحماية المعاملات، هذه الالتزامات هي أهم ما يجب أن يركز عليه التاجر و رجل الأعمال لضمان الحماية القانونية لعمله ومن أبرز هذه الالتزامات ما يلي:

- القيد في السجل التجاري

يعرف السجل التجاري بأنه سجل تشرف عليه السلطة القضائية، تقيد  فيه أسماء التجار و كافة البيانات المتعلقة بهم وبتجارتهم سواء كانوا افرادا ام شركات، و يجب على كل تاجر، سواء كان شخصا طبيعيا أو اعتباريا، أن يقيد نفسه في السجل التجاري داخل أجل محدد قانونا، مع تحيين بياناته عند كل تغيير يطرأ على وضعه التجاري كالعنوان أو النشاط أو الشكل القانوني.

يعد السجل التجاري بمثابة بطاقة هوية للتاجر أو الشركة، و هو نقطة الانطلاق للنشاط التجاري، و التسجيل فيه اجباري و يكون عبر منصة الكترونية مخصصة لهذا الغرض لدى المحكمة التي يقع بدائرة نفوذها المركز الرئيسي للتاجر او المقر الاجتماعي للشركة.

تكمن الأهمية العملية للسجل التجاري، في انه يعد قرينة على اكتساب صفة تاجر بالنسبة لكل شخص طبيعي أو اعتباري مقيد فيه، ويجعله خاضعا للالتزامات المترتبة على التجار ما لم يثبت خلاف ذلك، كما يوفر حماية للاسم التجاري ويجعل معلومات التاجر متاحة للعموم بثقة.

و في هذا الاطار  يتوجب على التاجر استعمال اسم تجاري أو عنوان تجاري يميزه عن غيره من التجار، وعدم استعمال أسماء أو عناوين من شأنها إحداث اللبس أو المنافسة غير المشروعة.

- فتح حساب بنكي

يجب على كل تاجر أن يفتح حسابا بنكيا مخصصا لتجارته، لدى مؤسسة بنكية أو في مركز للشيكات البريدية، تتم عبره جميع المعاملات المالية للتاجر، و يساعد في فصل ذمة التاجر الخاصة عن ذمته التجارية، وهو أمر حيوي في حالة النزاعات أو الإفلاس.

- مسك المحاسبة التجارية

يتعين على كل تاجر مسك محاسبة منتظمة تعكس بدقة وضعيته المالية ونتائج نشاطه، وفقا للقواعد المحاسبية المعتمدة قانونا، و تستخدم الدفاتر الممسوكة بانتظام كدليل قانوني أمام المحاكم التجارية لإثبات معاملة ما، و من اهم الوثائق المحاسبية:

  • دفتر اليومية Le livre journal
  • دفتر الجرد أو الإحصاء    Le livre d’inventaire  
  • دفتر الأستاذ أو الدفتر الكبير Le grand livre
  • القوائم التركيبية  Etats de synthèse annuels

و يتم مسك هذه الوثائق الكترونيا عبر نظام مخصص لها، و تجتمع في دفتر كبير يسمى « Le Bilan »، كما يجب على التاجر إيداع هذه القوائم المالية السنوية لدى إدارة الضرائب و وضع نسخ لدى المحكمة المختصة.

يمكن أن يستعين التاجر بدفاتر اخرى اختيارية لا تقع تحت الحصر، حسب ما تدعو إليه أهمية أو متطلبات المقاولة أو المؤسسة من أهمها دفتر الصندوق، دفتر البيع والشراء، دفتر الأوراق التجارية، و يعرفها القانون بالدفاتر المساعدة.

لكن من الناحية العملية فان هذه الدفاتر ليست اختيارية و انما ضرورية لتسيير المعاملات التجارية اليومية و لتسيير المقاولات و الشركات عامة، و يمكن ان يتم مسكها عبر برامج الكترونية خاصة او عبر برامج الاكسيل (Excel) بكل بساطة، المهم هو الحرص على تسجيل جميع المعاملات اليومية فيها بتفصيل.

- مسك المراسلات و الوثائق المحاسبية والمستندات الإثباتية:

يجب على التاجر ترتيب وحفظ أصول المراسلات الواردة ونسخ المراسلات الصادرة التجارية المتعلقة بنشاطه، لمدة عشر سنوات ابتداء من تاريخها حسب مدونة التجارة، وتعتبر من وسائل الإثبات عند النزاع وفق ما تقتضيه القواعد القانونية والتنظيمية.

و تفسر الرسائل ونسخ الرسائل تفسيرا واسعا يشمل جميع الوثائق والمستندات المتعلقة بالتجارة، كالفواتير، الوضعيات الحسابية، ورقات التسليم، الإيصالات، وثائق التأمين، وغيرها من المستندات القديمة والجديدة والمستجدة.

- الاختصاص القضائي:

يلزم التجار بمقتضى القانون التجاري بالخضوع للمحاكم التجارية في جميع النزاعات المتعلقة بأعمالهم التجارية، كخلافات العقود التجارية، الشيكات، أو مساطر صعوبات المقاولة (الإفلاس)، ورغم أن المدعي (الغير التاجر) له الخيار بين رفع دعواه أمام المحكمة التجارية أو المحكمة الابتدائية (المدنية)، فإن التاجر المدعى عليه يُلزم قانونا بالاحتكام إلى قواعد الاختصاص التجاري، مما يضمن سير التقاضي بسرعة وتخصص أكبر تماشيا مع طبيعة المعاملات التجارية.

- الخضوع لنظام الإثبات التجاري:

 تخضع الاعمال التجارية لحرية الاثبات، حيث يجوز إثباتها بجميع وسائل الإثبات، بما فيها الشهادة والقرائن، خلافا لما هو معمول به في المعاملات المدنية، طبعا مع مراعاة الاستثناءات في الحالات التي يشترط فيها الاثبات بالكتابة متى نص القانون او اتفق الأطراف على ذلك.

💡غير أنه من الناحية العملية، ولا سيما المعاملات الخاصة بالشركات والمقاولات، فإن إثبات المعاملات عند قيام المنازعات القضائية أمام المحاكم يعتمد أساسا على الوثائق الكتابية والمستندات المحاسبية، ولذلك يصبح التاجر ملزما بحفظ و توثيق جميع معاملاته التجارية، حتى البسيطة منها، قصد اعتمادها كوسيلة إثبات وحجة قانونية عند الاقتضاء، بما يضمن حماية حقوقه وتفادي النزاعات المحتملة.

فرغم ان اغلب المعاملات بين التجار تتم اساسا بالكتابة، لكن لازال الكثير منهم لا يوثق جميع معاملاته او لا يحتفظ أحيانا بأصول او نسخ هذه المعاملات مع ان الضرورة تقتضي ذلك. 

- التضامن بين المدينين:

في المجال التجاري، فإن الأصل هو افتراض التضامن بين المدينين، متى كان الدين تجاريا بين التجار، ويعني هذا أن الدائن بدين تجاري يحق له مطالبة أي تاجر من المدينين مجتمعين أو منفردين، دون الحاجة لتقسيمه على عدد المدينين، مما يوفر للدائن ضمانة قوية و يسهل عليه تحصيل حقوقه بسرعة وفعالية، ويعكس متطلبات الثقة والائتمان التي يقوم عليها النشاط التجاري.

- التقادم:

خلافا للدعاوي المدنية التي تتقادم بمضي 15 سنة، فان الدعاوي الناشئة عن الالتزامات التجارية تتقادم بمضي 5 سنوات، ما لم ينص القانون صراحة على خلاف ذلك.

وهذا يعني أن التاجر الدائن مُلزم قانونا باتخاذ الإجراءات اللازمة للمطالبة بحقوقه قبل انقضاء هذه المدة تحت طائلة سقوط الحق، وهذا الالتزام بسرعة التقاضي جاء لضمان استقرار المعاملات التجارية وسرعة حسم الحقوق والالتزامات، ويفرض على التاجر تنظيم دفاتره ومتابعة ديونه بانتظام.

- التشدد في منح مهلة الوفاء بالديون ونظرة الميسرة:

يتميز القانون التجاري المغربي بالتشدد في منح المدين التاجر آجالا إضافية (نظرة الميسرة) للوفاء بديونه، على عكس القاعدة في القانون المدني التي تمنح القاضي سلطة تقديرية واسعة لتمكين المدين من الوفاء إذا استدعت حالته ذلك.

 ففي البيئة التجارية، ينظر إلى منح هذه المهلة كإجراء يضر بمبدأ الائتمان التجاري ويؤدي إلى عدم استقرار السوق، لذا لا يجوز للقاضي التجاري منح هذه المهلة إلا في حدود ضيقة واستثنائية ومبررة بقوة، هذا التشدد يفرض على التاجر التزاما أكبر بالوفاء بالتزاماته في المواعيد المتفق عليها لضمان ثقة المتعاملين واستمرار سلاسة المعاملات التجارية.

- الخضوع لمساطر صعوبات المقاولة:

يخضع التاجر في القانون المغربي لمساطر صعوبات المقاولة متى ثبتت مواجهته لاختلالات مالية تهدد استمرارية نشاطه أو عند توقفه عن دفع ديونه المستحقة، وتلزمه مدونة التجارة بالتصريح بوضعية التوقف عن الدفع داخل أجل قانوني محدد، قصد تمكين المحكمة من التدخل في الوقت المناسب لاتخاذ إحدى المساطر الملائمة، كمسطرة الوقاية أو التسوية القضائية أو التصفية القضائية.

 وتهدف هذه المساطر أساسا إلى حماية المقاولة والحفاظ على مناصب الشغل وضمان حقوق الدائنين، من خلال إعادة تنظيم نشاط التاجر كلما أمكن ذلك، أو تصفية أمواله بشكل قانوني ومنظم إذا تعذر الاستمرار في مزاولة النشاط.

💡 وفي الختام، إن فهم أحكام القانون التجاري المغربي يشكّل ركيزة أساسية لكل تاجر أو رجل أعمال يسعى إلى ممارسة نشاطه في إطار قانوني سليم ومستقر، لذلك لا بد للتجار من الحرص على احترام الالتزامات القانونية، خاصة ما يتعلق بالقيد في السجل التجاري، مسك محاسبة منتظمة، توثيق المعاملات التجارية، والالتزام بقواعد المنافسة وحماية المستهلك، كما يُستحسن الاستعانة بالخبرة القانونية والمحاسبية دائما، ومواكبة المستجدات التشريعية، لما لذلك من أثر إيجابي في تفادي النزاعات، تعزيز الثقة، ضمان استمرارية ونجاح المشاريع التجارية في بيئة اقتصادية متغيرة.

تعليقات