قصة نجاح شركة Airbnb: من فكرة بسيطة إلى ثورة في عالم الضيافة

 

قصة نجاح شركة Airbnb

تقدم شركة "Airbnb" خدمة مبتكرة تتيح لأصحاب المنازل و العقارات تأجير غرفهم أو منازلهم للغرباء مقابل مبلغ مالي محدد مسبقا من قبل المالك، و قد أصبحت الشركة واحدة من أبرز قصص النجاح في عالم ريادة الأعمال الحديثة، إذ انطلقت من فكرة بسيطة لتحويل المساحات الفارغة في المنازل إلى أماكن للإقامة، لتتحول لاحقا إلى إمبراطورية عالمية أحدثت ثورة في مفهوم السفر و الإقامة حول العالم.

اولا: مراحل تطور مشروع  Airbnb :

1- البداية المتواضعة:

في عام 2007، كان "براين تشيسكي" و "جو جيبيا" يواجهان صعوبات مالية في دفع إيجار شقتهما في سان فرانسيسكو، و خطرت لهما فكرة مبتكرة تتمثل في تأجير جزء من شقتهما لزوار المدينة خلال انعقاد مؤتمر كبير للتصميم في المدينة مما أدى إلى امتلاء الفنادق عن آخرها.

وضعا ثلاث فرش هوائية في غرفة المعيشة و قدما للضيوف وجبة إفطار و أطلقا موقعا إلكترونيا باسم «Air Bed & Breakfast»  (فراش هوائي و وجبة إفطار).

نجحت التجربة الأولى بشكل مفاجئ، حيث استضافا 3 ضيوف دفع كل منهم 80 دولارا لليلة الواحدة، من هنا أدركا أن الفكرة يمكن أن تصبح مشروعا ضخما.

2- تحول الفكرة إلى مشروع عالمي:

بعد النجاح الأولي، انضم إليهما المهندس "ناثان بليتشارزيك" لتطوير المنصة بشكل احترافي، لكن المؤسسون واجهوا تحديات كثيرة أبرزها نقص التمويل و صعوبة بناء الثقة بين المستخدمين.

لذلك لجأ الفريق إلى حلول مبتكرة للحفاظ على حلمهم، مستغلين الحدث الانتخابي و قاموا بتحويل علب "حبوب الإفطار "Cereal Boxes  التي تباع في الأسواق بشكل عادي إلى علب تحمــل صورتين صورة للمرشح الديمقراطي باراك أوباما و صورة للمرشح الجمهوري المنافس له جون ماكين، و انطلق الثلاثة لبيع هذه العلب مقابل 40 دولارا للعلبة الواحدة، و خلال شهرين فقط استطاعوا بيع أكثر من 800 علبة، و الحصول على مبلغ يزيد على 30 ألف دولار، اعتبروها مبلغا جيدا لتسديد بعض الديون و دعم شركتهم الناشئة.

لم تكن شركة "Airbnb" مجرد منصة للحجوزات فقط، بل تتمحور رسالتها حول فكرة جوهرية و هي "خلق عالم يشعر فيه الجميع بالانتماء أينما كانوا"، تجسدت هذه الرؤية بوضوح عام 2014 مع إطلاق شعارها الشهير "Bélo" الذي يعبر عن التقاء الأشخاص و الأماكن، ويعكس القيم الأساسية التي تقوم عليها الشركة.

 يقوم نموذج عمل الشركة على السهولة و الكفاءة، حيث تتيح المنصة للمضيفين إدراج عقاراتهم بشكل مجاني، ما يمنحهم فرصة للوصول إلى ملايين المسافرين حول العالم، و في المقابل، يتمكن الضيوف من تصفح عدد هائل من الخيارات التي تلائم مختلف الأذواق و الميزانيات، مما يجعل تجربة الحجز مرنة و ممتعة.

 تعمل المنصة كـوسيط موثوق و آمن، إذ تحتفظ بمبلغ الحجز لمدة 24 ساعة بعد تسجيل وصول الضيف، لضمان مطابقة الواقع لما تم عرضه، قبل تحويل المبلغ إلى المضيف.

تحصل الشركة إيراداتها من خلال عمولة بسيطة تفرض على المضيفين (حوالي 3%) وعمولة أخرى على الضيوف (حوالي 14%)، مما يضمن استمرارية و نمو المنصة.

و الى حدود الان منذ أول ثلاثة ضيوف في عام 2007، رحبت الشركة بـحوالي 1.5 مليار ضيف و ذلك بفضل 5 ملايين مضيف حول العالم.

3- التمويل و الانطلاقة نحو العالمية:

في البداية واجهت الشركة صعوبة كبيرة في إقناع المستثمرين بفكرة تأجير غرف الغرباء، و أعاد الفريق تصميم المنصة لتكون أسهل استخداما، لكن معظم المستثمرين رفضوا دعم المشروع معتبرين الفكرة غير مجدية أمام قوة صناعة الفنادق، لدرجة ان الفريق عرض المشروع على 15 مستثمرا ملائكيا (Angel investors) فرفضه ثمانية منهم و تجاهله الباقون تماما.

 و مع ذلك  في عام 2009، حصل الفريق على أول تمويل من«Y Combinator»  قيمته 20 ألف دولار مقابل خصوع المؤسسين للتدريب و حصول الممول على نسبة ضئيلة من أسهم الشركة.

في عام 2009، واجهت الشركة خطر الإفلاس بعد تراجع إيراداتها إلى 200 دولار أسبوعيا، بسبب رداءة صور العقارات التي التقطها الملاك، فبادرت الشركة بإعادة تصوير الأماكن بصور عالية الجودة لتحسين جاذبية العروض و زيادة الحجوزات.

في مارس 2009، غيرت الشركة اسمها من "Airbed and Breakfast" إلى "Airbnb.com"، لتتطور خدماتها من مجرد توفير سرير هوائي و وجبة إفطار إلى منصة عالمية لتأجير مختلف أنواع العقارات و المساحات.

في أبريل 2009، حصلت الشركة أخيرا على استثمار قيمته 585,000 دولار مقابل حوالي 58 مليون سهم، بسعر $0.01 للسهم الواحد من شركة "Sequoia Capital". 

في عام 2010 حصلت الشركة على تمويل جديد بقيمة 7.2 مليون دولار في الوقت الذي وصلت فيه عدد الحجوزات عبر الموقع إلى 700 ألف حجز لتحقق الشركة نموا هائلا جذب العديد من الاستثمارات لاحقا.

بحلول عام 2011، أصبح للشركة وجودا في 89 دولة و بلغت الحجوزات على المنصة مليون حجزا، كما فازت أخيرا بجائزة تطبيقات الهاتف المحمول المتميزة في مؤتمرSXSW، و هو نجاح حاسم بعد الإطلاق للموقع في عام 2007.

في سبتمبر 2016، تمكنت الشركة من جمع 555 مليون دولار أمريكي، كجزء من جولة تمويلية تبلغ قيمتها 850 مليون دولار، و كان المستثمرون يقدرون قيمة الشركة في يونيو 2015 بـمبلغ 25 مليار دولار، و بين عامي 2016 و 2018 ارتفع التقييم الخاص للشركة إلى 31 مليار دولار.

كل هذا الدعم المالي مكن الفريق من تطوير الموقع و توسيع النشاط ليشمل دولا و مدنا جديدة، و مع زيادة الطلب نمت الشركة بسرعة لتصل إلى ملايين المستخدمين حول العالم.

4- النجاح المالي و دخول البورصة:

في 10 ديسمبر 2020، طرحت Airbnb أسهمها للتداول في بورصة  (NASDAQ) تحت رمز التداول  ABNB بسعر 68 دولارا و قد شهدت أسهمها في البداية ارتفاعا، هذا الطرح كان هدفه جمع رأس المال اللازم للتوسع في أسواق جديدة و تعزيز خدمات الشركة، و في تاريخ 2 نونبر 2025 أصبحت الأسهم تبلغ 126 دولارا بقيمة سوقية تقدر  بحوالي 83.8 مليار دولار.

ثانيا: التحديات التي واجهتها Airbnb:

إضافة الى التحديات التي واجهتها الشركة فيما يخص نقص التمويل و صعوبة بناء الثقة بين المستخدمين و اجهت الشركة تحديات من نوع اخر:

1- القوانين التنظيمية:

واجهت الشركة تحديات كبيرة بسبب القوانين المحلية الصارمة في مدن كبرى مثل نيويورك و باريس، التي فرضت قيودا مشددة على الإيجارات قصيرة الأجل بهدف حماية أسواق الإسكان المحلية.

وجدت الشركة نفسها في خضم نزاعات قانونية طويلة الأمد، و اضطرت في نهاية المطاف إلى التكيف مع اللوائح المعمول بها و مشاركة بياناتها مع السلطات المختصة لضمان الامتثال الكامل للقوانين.

2- تحدي بناء الثقة:

واجهت الشركة انتقادات شديدة إثر وقوع حوادث تمييز عنصري من قبل بعض المضيفين، ما دفعها إلى الاستعانة بخبراء متخصصين لوضع سياسات صارمة تهدف إلى مكافحة جميع أشكال التمييز.

كما أثارت القوائم المزيفة و المضللة قلقا واسعا بشأن سلامة المستخدمين، الأمر الذي دفع الشركة إلى إطلاق خط دعم متاح على مدار الساعة و تشديد إجراءات التحقق من الحسابات و المعلومات.

3- ازمة كوفيد-19:

شكلت الجائحة أخطر أزمة في تاريخ الشركة فمع توقف السفر العالمي، تراجعت الحجوزات بشكل حاد و بدت التحديات غير مسبوقة.

إلا أن الشركة أظهرت قدرة مذهلة على التكيف، إذ أعادت توجيه تركيزها بسرعة نحو الإقامات طويلة الأمد و السياحة المحلية، مع تطبيق معايير نظافة معززة لضمان سلامة الضيوف و المضيفين.

و أطلقت الشركة صندوق دعم بقيمة 250 مليون دولار لمساعدة المضيفين المتضررين، في خطوة إنسانية عززت ثقة مجتمعها و ولاءه تجاه العلامة التجارية.

ثالثا: تأثير Airbnb على القطاعات المرتبطة بها:

لم يقتصر تأثير الشركة على كونها مجرد بديل للفنادق التقليدية، بل امتد ليحدث تحولات عميقة في عدة قطاعات اقتصادية و سياحية حول العالم.

1- قطاع الفنادق:

دفعت المنافسة القوية من الشركة الفنادق إلى إعادة النظر في استراتيجياتها التشغيلية، حيث قامت بتخفيض الأسعار، تطوير برامج ولاء جديدة، كما بدأت في تقديم تجارب إقامة أكثر تخصيصا لتواكب توقعات المسافرين الباحثين عن الأصالة و التجربة المحلية.

2- السياحة المحلية:

ساهمت الشركة في إعادة توزيع العائدات السياحية بشكل أكثر شمولا، فبدلا من تركز النشاط السياحي في المناطق الفندقية المزدحمة، أصبحت المنصة تعزز الاقتصادات المحلية في الأحياء السكنية، مما أتاح للمسافرين الانغماس في الثقافة المحلية و اكتشاف الوجه الحقيقي للمدن.

3- أسواق العقارات:

أثار انتشار نموذج "Airbnb" نقاشا واسعا حول تأثيره على سوق الإسكان، فقد تسبب تحويل بعض العقارات السكنية إلى إيجارات قصيرة الأجل في تقليص المعروض السكني و رفع الأسعار في عدد من المدن الكبرى، مما دفع السلطات المحلية إلى سن قوانين تنظيمية للحد من هذه الظاهرة و ضمان توازن السوق العقاري.

ختاما، أثبتت شركة "Airbnb" أن الابتكار لا يحتاج دائمًا إلى رأس مال ضخم، بل إلى رؤية واضحة، صبر، و شغف بالتغيير، من شقة صغيرة في سان فرانسيسكو إلى ملايين المنازل في أكثر من 220 دولة عبر العالم، تظل قصة "Airbnb" مصدر إلهام لكل رائد أعمال يسعى لتحقيق حلمه.

تعليقات