
السندات هي
احدى اهم الأدوات المالية في أسواق المال، إذ تلعب دورا رئيسيا في تمويل المشاريع
الحكومية و الخاصة على حد سواء، و هي تمثل قرضا يمنحه المستثمر لجهة مصدرة، مقابل
التزام هذه الجهة بسداد أصل المبلغ مع فائدة محددة في مواعيد متفق عليها.
و تتعدد أنواعها
بحسب الجهة المصدرة، مدة الاستحقاق، أو طبيعة الفائدة، فهناك سندات حكومية و شركات،
و سندات ذات فائدة ثابتة أو متغيرة، في
حين تنفرد السندات بخصائص، تميزها عن باقي أدوات الدين مثل القيمة الاسمية، عائد ثابت غالبا،
قابلية التداول، و تاريخ استحقاق محدد.
و بفضل هذه
السمات، تعتبر السندات أداة استثمارية آمنة نسبيا لمن يبحث عن دخل ثابت و استقرار
مالي طويل الأمد.
أولا: ما هي السندات؟
السندات (Bonds) هي اوراق مالية بموجبها
يلتزم مصدر السند بدفع مبلغ محدد لحاملها عند تاريخ الاستحقاق، بالإضافة إلى فوائد
دورية ثابتة او متغيرة تحسب وفق نسبة معينة طوال فترة الاستثمار كأرباح على مبلغ
شراء السندات، و تصدرها الحكومات او الشركات او مؤسسات اخرى (الجهة المصدرة للسند) لجمع الأموال من
المستثمرين (حامل السند).
فعندما تشتري سندا، فأنت في الواقع تقرض الجهة المصدرة مبلغا معينا لفترة
محددة، بالمقابل، تحصل على فائدة ثابتة او متغيرة تعرف باسم "الكوبون" (Coupon) تدفع كل فترة (غالبا سنويا أو نصف سنويا)، و
في نهاية المدة، يعاد إليك المبلغ الأصلي الذي استثمرته، و المعروف باسم "القيمة
الاسمية" للسند.
هذا يعني انه بشرائك السند تصبح دائنا لمصدره، على عكس الأسهم التي تمنحك صفة
المالك أو الشريك، و يعد شراء السندات استثمارا مربحا و امنا نسبيا مقارنة بالاسهم.
تعتبر السندات وسيلة للمصدرين لجمع رأس المال لأغراض مختلفة مثل تمويل
المشاريع الكبرى أو تغطية العجز المالي، و مشاريع البنية التحتية و الاستثمار.
ثانيا: أنواع السندات الرئيسية:
1- السندات الحكومية (Government
Bonds):
تصدرها
الحكومات لتمويل مشاريعها أو تغطية عجز الموازنة، تعتبر من أكثر أنواع السندات أمانا لأن الحكومة تضمن
سداد قيمتها في نهاية المدة و من أمثلتها:
2- سندات البلدية
Bonds) (Munis:
تصدرها السلطات
الحكومية المحلية (مثل المجالس، البلديات، المقاطعات) أو الهيئات المحلية لتمويل
مشاريع البنية التحتية مثل المدارس و الطرق، تقدم معدلات فائدة منخفضة نسبيا لكن مخاطرها منخفضة أيضا.
في الولايات المتحدة قد تعفى عوائد سندات
البلدية من ضرائب معينة على كل من المستوى المحلي و الولائي و الفيدرالي، ما
يجعلها جذابة للمستثمرين المحليين، اما في المملكة المتحدة فيتم إصدارها من قبل
الوكالة البريطانية لسندات البلدية (UK MBA).
3- سندات الشركات (Corporate
Bonds):
تصدرها الشركات
الكبرى لجمع التمويل اللازم لتوسيع أعمالها أو تسديد ديونها، عندما يشتري المستثمر سندات الشركات فإنه يقرض الأموال
بشكل أساسي للشركة المصدرة مقابل دفعات فائدة دورية (تعرف باسم مدفوعات القسيمة) مع
إرجاع القيمة الاسمية للسند عند الاستحقاق، و هي توفر عوائد أعلى من
السندات الحكومية لكنها أكثر مخاطرة بسبب احتمال تعثر الشركة في السداد.
عندما يشتري
المستثمر سند صادر عن شركة، فإنه يصبح دائنا لها و يتمتع بحماية من الخسارة اكثر
من المساهمين، إذ يتم تعويض حملة السندات أولا في حال تصفية الشركة، و يتم تقييم جودة
هذه السندات و درجة أمانها من قبل وكالات التصنيف الائتماني مثل "فيتش"(Fitch Ratings) و "موديز" (Moody's) و "ستاندرد
آند بورز" (S&P Global).
4- السندات القابلة للتحويل (Convertible Bonds):
هذه السندات
يمكن تحويلها إلى عدد محدد مسبقا من أسهم الشركة المصدرة، حيث تجمع بين ميزات السندات
و الأسهم، يوفر هذا الخيار ميزة الدخل الثابت مع فرصة للمشاركة في أرباح الشركة
مستقبلا إذا كان أداء سهم الشركة جيدا،
يتم إصدار هذا
النوع من قبل العديد من الشركات الأوروبية و هي خيار جذاب لأولئك الذين يبحثون عن
الدخل و إمكانات النمو.
5- السندات صفرية الكوبون (Zero-Coupon Bonds):
يتم شراء هذه
السندات بسعر أقل من قيمتها الاسمية و لا تقدم فوائد دورية، بل يحصل حامل السند
على القيمة الاسمية كاملة عند الاستحقاق، مع الربح الذي هو الفرق بين سعر الشراء و
القيمة الاسمية التي تمثل الفائدة المكتسبة، و هي مناسبة لأهداف الادخار طويلة
الأجل لكنها تتميز بتقلبات سعرية أعلى من السندات التقليدية.
6- سندات الادخار (Savings
bonds):
هي نوع من
السندات يسمح للأفراد بالادخار مباشرة مع الحكومة، و هي تعمل بشكل مختلف عن سندات
الخزانة، و تقدم عائدا ثابتا أو متزايدا على مبلغ مودع لفترة محددة، تتميز هذه
السندات بضمان رأس المال مع توفير دخل دوري أو عند الاستحقاق، مما يجعلها خيارا
جيدا للمدخرات طويلة الأجل، و هي أكثر شيوعا في الولايات المتحدة و هناك ايضا
أدوات مماثلة في أوروبا.
7- السندات القابلة للاستدعاء (Callable
bonds):
هي السندات
التي يحق للجهة المصدرة استردادها قبل موعد استحقاقها (تحتوي على بند يسمح بذلك)،
و غالبا ما يتم ذلك عندما تنخفض أسعار الفائدة، تصدرها الحكومات و الشركات و تقدم
عادة عوائد أعلى لتعويض المستثمرين عن مخاطر الاستدعاء المبكر، لهذا ينبغي على المستثمرين
إدراك احتمال قيام المصدر بسحب السندات قبل موعدها، مما قد يجبرهم على إعادة
استثمار أموالهم بأسعار فائدة أقل.
قد يهمك: ما هي أسواق المال و أنواعها
ثالثا: خصائص السندات:
تتميز السندات
بعدد من الخصائص التي تجعلها من أهم أدوات التمويل و الاستثمار في الأسواق المالية
و فيما يلي أبرز هذه الخصائص:
1- القيمة الاسمية (Face Value)
القيمة الاسمية
هي المبلغ الذي يسجل على السند و يمثل رأس المال الذي يقترضه المصدر من المستثمر،
و عند انتهاء مدة السند تعاد هذه القيمة إلى حامل السند و هي لا تشمل الكوبونات، و
تستخدم هذه
القيمة أيضا في حساب الفائدة المستحقة على السند.
و مع انه يجب
أن يتطابق سعر إصدار السند مع قيمته الاسمية ̶ باستثناء
السندات صفرية الكوبون ̶ باعتبار أن القيمة الاسمية تمثل المبلغ الكامل
للقرض الذي يدفعه المستثمر للجهة المصدرة عند شراء السند، الا انه قد يتغير سعر السند في السوق الثانوية ̶ غالبا
بعد إصداره ̶ نتيجة لتأثره بعدة عوامل مثل أسعار الفائدة و ظروف
السوق.
أما السندات
الصفرية، فلا تقدم فوائد دورية لذلك يتم إصدارها بسعر أقل من قيمتها الاسمية
لتعويض المستثمر عن الفائدة المستحقة.
2- سعر الفائدة (Coupon Rate)
هو العائد
الثابت أو الدوري الذي يحصل عليه حامل السند مقابل إقراض أمواله، و يتم تحديد سعر الفائدة
عند إصدار السند و تدفع عادة سنويا أو نصف سنويا، و يعرف هذا العائد باسم "الكوبون"،
و يعتبر من أهم عوامل جذب المستثمرين،
و تنقسم
السندات من حيث سعر الفائدة إلى نوعين رئيسيين:
السندات ذات
الفائدة الثابتة: تمنح المستثمر عائدا
ثابتا لا يتغير طوال فترة الاستثمار، يحصل حامل السند على نفس نسبة الفائدة بشكل
دوري، سواء كان الدفع شهريا، نصف سنويا، او سنويًا و بغض النظر عن تغير أسعار
الفائدة في السوق.
السندات ذات
الفائدة المتغيرة: في هذا النوع تتغير
نسبة الفائدة سنويا تبعا لمستوى أسعار الفائدة في السوق، فقد تبدأ مثلا بنسبة و
ترتفع الى نسب أخرى كل سنة أو قد تنخفض إذا تراجعت أسعار الفائدة في السوق المالية.
تعتبر السندات
ذات الفائدة الثابتة أكثر أمانا لأنها تضمن دخلا منتظما و مستقرا، لكنها عادة ما
تمنح عائدا أقل، أما السندات ذات
الفائدة المتغيرة فهي أكثر مرونة و قد تحقق أرباحا أكبر في فترات ارتفاع الفائدة،
لكنها أيضا أعلى مخاطرة لأنها تتأثر بتقلبات السوق.
3- تاريخ الاستحقاق (Maturity Date)
يمثل هذا
التاريخ موعد سداد القيمة الاسمية للسند من قبل الجهة المصدرة إلى المستثمر، و بذلك
يعتبر تاريخ الاستحقاق هو الذي يحدد العمر الزمني للسند، و يصنف عادة إلى ثلاث فئات رئيسية هي الأكثر شيوعا:
- السندات قصيرة الأجل: تتراوح مدة استحقاقها بين سنة واحدة و 5 سنوات، و تعد
مناسبة للمستثمرين الذين يفضلون استثمارات سريعة و آمنة نسبيا.
- السندات متوسطة الأجل: تستمر مدتها من 5 إلى 10 سنوات، تحقق توازنا بين العائد
و المخاطرة، مما يجعلها خيارا شائعا لدى كثير من المستثمرين.
- السندات طويلة الأجل: تتراوح مدة استحقاقها بين 10 و 30 سنة، توفر عوائد و فوائد
أعلى، لكنها في المقابل تحمل مخاطر مالية أكبر بسبب طول فترة الاستثمار.
و بشكل عام،
كلما زادت مدة استحقاق السند، ارتفع معها معدل الفائدة والعائد، لكن في الوقت نفسه
تزداد المخاطر الناتجة عن تقلبات السوق على المدى الطويل.
4- الجهة المصدرة (Issuer)
تصدر السندات
من قبل الحكومات، الشركات، أو المؤسسات المالية بهدف جمع الأموال، و تعد سمعة
الجهة المصدرة من العوامل المهمة في تحديد مستوى المخاطر، فالسندات الحكومية عادة
أكثر أمانا من سندات الشركات، لذلك فأهمية الجهة المصدرة تكمن في:
- تحديد مستوى
الأمان و المخاطرة في السند.
- تؤثر على معدل
الفائدة، فكلما كانت الجهة أكثر موثوقية، انخفض العائد و العكس صحيح.
- تستخدم سمعة
الجهة المصدرة كمؤشر رئيسي لاتخاذ قرارات الاستثمار.
باختصار، تعد
الجهة المصدرة للسند الضامن الرئيسي لأموال المستثمر، و اختيار السند يعتمد بدرجة
كبيرة على قوة الوضع المالي و الائتماني لهذه الجهة لأن ذلك يحدد مدى الأمان و العائد
المتوقع من الاستثمار.
5- قابلية التداول (Marketability)
تعتبر السندات
أوراق مالية قابلة للتداول في الأسواق المالية قبل موعد استحقاقها، حيث تباع و تشترى
بأسعار تختلف عن قيمتها الاسمية تبعا لتغير أسعار الفائدة و ظروف السوق، و هذا
يمنح المستثمرين مرونة في السيولة و إمكانية تحقيق أرباح رأسمالية.
لذلك يقوم بعض
حاملي السندات ببيعها عندما يرتفع سعرها في السوق عن قيمتها الاسمية لتحقيق ربح من
فرق السعر.
6- جودة الائتمان
(Credit quality)
تختلف جودة
الائتمان حسب مخاطر السندات، و اختلاف الجهة المصدرة و وضعها المالي، فالسندات
الحكومية تعد منخفضة المخاطر، بينما السندات الشركاتية قد تحمل مخاطر أعلى مقابل
عوائد أكبر، لهذا تقوم وكالات التصنيف الائتماني بتقييم هذه المخاطر مثل "فيتش"(Fitch Ratings) و "موديز" (Moody's) و غيرها.
يحتاج
المستثمرون إلى التأكد من أن الجهة المصدرة للسند قادرة على سداد القرض و دفع
الفوائد في موعدها، من جهة أخرى، تستخدم الجهة المصدرة هذا التقييم لتحديد سعر
الفائدة المناسب الشيء الذي يجعل السند جذابا للمستثمرين.
فكلما كانت
الجهة المصدرة أكثر أمانا ماليا و ذات تصنيف ائتماني مرتفع، انخفضت الفائدة التي
تدفعها لأنها تمثل مخاطرة أقل،
أما إذا كانت
الجهة مخاطرها عالية، فعليها رفع العائد لجذب المستثمرين و تعويضهم عن احتمال
التعثر في السداد.
7- الأسبقية في السداد Repayment priority
تعني الأسبقية
في السداد ترتيب الجهات أو الأطراف التي يحق لها استرداد أموالها أولا عند تصفية
شركة أو سداد الديون، فعلى سبيل المثال، في
حالة إفلاس شركة ما، يتم سداد حقوق حملة السندات قبل المساهمين لأن السند يعتبر
دينا على الشركة، بينما الأسهم تمثل ملكية.
و بالتالي، كلما كانت درجة الأسبقية أعلى، زادت فرص استرجاع الأموال و تقليل الخسارة للمستثمر، و هذا ما يجعل السندات أكثر أمانا مقارنة بالأسهم من حيث ضمان رأس المال.
في الختام، السندات تعد
ركيزة أساسية في عالم الاستثمار المالي، تجمع بين الأمان النسبي و العائد الثابت، و
تعتبر خيارا استثماريا مناسبا للمستثمرين الذين يسعون إلى دخل مستقر مع مستوى
مخاطرة منخفض مقارنة بالأدوات المالية الأخرى، فاختيار النوع المناسب يعتمد على
الأهداف و الظروف المالية لكل مستثمر، لذلك من المهم فهم أنواعها و خصائصها قبل
اتخاذ القرار.